رسوم ترامب الجمركية على المغرب بنسبة 10%.. هل هي "قتل" لاتفاقية التبادل الحر مع الرباط أم فرصة لإعادة "اكتشاف" الخيارات البديلة للمملكة اقتصاديا؟
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على واردات السلع القادمة من المغرب، وذلك ضمن حزمة من الإجراءات الحمائية الجديدة التي كشف عنها خلال كلمة ألقاها من البيت الأبيض بمناسبة ما أسماه "يوم التحرير".
الرسوم التي فُرضت على المغرب، تُعد الأدنى ضمن مجموعة الدول المستهدفة، وتشمل أيضًا المملكة المتحدة، المملكة العربية السعودية، مصر وتركيا، وهي موازية، وفق تصريحات ترامب، لنسبة الرسوم التي تطبقها تلك الدول على البضائع الأمريكية، لكنها في الآن ذاته تمثل تحولاً جذريًا في السياسة التجارية للولايات المتحدة وعلاقتها بهاته الدول بما فيها المغرب، سيما وأنها تأتي في وقت حساس يشهد فيه الاقتصاد العالمي ضغوطًا متعددة.
وفي تصعيد لافت، أضاف ترامب أن بلاده ستبدأ أيضًا بفرض رسوم بنسبة 25% على جميع السيارات المستوردة، اعتبارًا من منتصف الليل بتوقيت شرق الولايات المتحدة، مبررًا ذلك بالسعي لمعالجة ما وصفه بـ"الاختلالات الفادحة" التي أضعفت القاعدة الصناعية الأمريكية وهددت أمنها القومي.
وفي سياق تفاعله مع سؤال احتمالية تتضرر اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة، يرى الخبير الاقتصادي ياسين البريني، أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة محمد الخامس، أن هذه الإجراءات "تشكل ضربة مباشرة لفلسفة التجارة الحرة التي قامت عليها اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والولايات المتحدة، والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 2006".
البريني، وفي تصريح لـ "الصحيفة" اعتبر أن "فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على السلع المغربية يُعد خرقاً ضمنياً لروح الاتفاقية التي تنص على إزالة الحواجز الجمركية وتيسير ولوج المنتجات إلى الأسواق دون عراقيل.
ورغم أن النسبة المعلنة تبقى أقل من الرسوم المفروضة على دول أخرى، إلاّ أنها، وبحسب الخبير الاقتصادي ذاته "تقوض مبدأ المعاملة التفضيلية الذي يستفيد منه المغرب".
وحول الأثر المحتمل، يؤكد البريني أن "هذا الإجراء قد يؤدي إلى مراجعة بنود الاتفاقية من طرف المغرب، خاصة إذا استمرت واشنطن في انتهاج سياسة حمائية تتعارض مع الالتزامات السابقة، كما أنه من المحتمل أن تتأثر قطاعات حيوية مثل النسيج والصناعات الغذائية والفوسفاط، التي تستفيد من مزايا التبادل الحر مع الولايات المتحدة".
ويحذر البريني من أن "الإصرار الأمريكي على فرض هذه الرسوم قد يدفع الرباط إلى البحث عن شركاء تجاريين بديلين أو تعزيز التكامل مع التكتلات الاقتصادية الأخرى، وهو ما قد ينعكس على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين".
وتابع المتحدث: "ينبغي متابعة هذا التطور عن كثب، لأنه يعكس تحولا عميقا في توجهات السياسة التجارية الأمريكية، وقد تكون له تداعيات بعيدة المدى على الشراكات الثنائية وعلى النظام التجاري العالمي ككل".
من جانبه، يرى مراد الحليمي، الخبير في السياسات التجارية والعلاقات الاقتصادية الدولية، أن "القرار الأمريكي الأخير لا يمكن قراءته بمعزل عن الدينامية الجديدة التي تبناها المغرب في السنوات الأخيرة، والمرتكزة على تنويع شركائه التجاريين والاستراتيجيين، بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الأسواق التقليدية".
وأوضح الحليمي، ضمن تصريحه لـ "الصحيفة" أن "المغرب يدرك جيدًا التقلبات التي أصبحت تطبع السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة، خصوصًا منذ عهد ترامب، وهو ما دفعه إلى توسيع آفاقه التجارية مع الاتحاد الأوروبي، الصين، بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ودول أمريكا اللاتينية"، مشيرًا إلى أن اتفاقيات الشراكة المتعددة التي وقعها المغرب، وآخرها مع المملكة المتحدة بعد البريكست، تؤكد هذا التوجه.
الخبير اعتبر أيضا، أن مثل هذه الإجراءات الأمريكية تعزز من وجاهة الخيار المغربي نحو بناء شراكات اقتصادية تقوم على التوازن والمصالح المتبادلة، وليس فقط على الامتيازات الجمركية، لافتا إلى أن "تعزيز المبادلات مع التكتلات الاقتصادية الإفريقية، ضمن إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF)، يمنح المغرب بدائل واقعية لمواجهة أي انزياح في العلاقات التجارية الثنائية".
وشدّد الحليمي، على أن التحدي اليوم بالنسبة للمغرب ليس فقط في الدفاع عن مصالحه داخل اتفاقية التبادل الحر مع واشنطن، بل في تعزيز موقعه كفاعل تجاري مستقل ومتعدد الارتباطات، قادر على التكيف مع التغيرات الجيو-اقتصادية الكبرى دون أن يفقد هامش المناورة الاستراتيجي.
وفي ضوء هذه التحليلات، يبدو أن المغرب يواجه لحظة حاسمة لإعادة تقييم موقعه داخل منظومة التبادل الحر العالمية، ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل مع كافة الشركاء الكبار فالتقلبات الأخيرة تؤكد أن التحولات الجيو-اقتصادية لم تعد تُبنى على الاستقرار والمؤسسات، بل على موازين القوى المتغيرة وأولويات الداخل السياسي للدول الكبرى.
ورغم ما قد يترتب عن الرسوم الأمريكية من تداعيات قصيرة المدى على بعض القطاعات، إلا أن ذلك قد يشكل فرصة استراتيجية للمغرب لتعميق خياراته الاقتصادية البديلة، وتثبيت موقعه كقطب إقليمي منفتح على الشراكات متعددة الأطراف، وقادر على التفاوض من موقع الندّية.
ويتجه المغرب نحو تعزيز إنتاجه المحلي، ورفع القيمة المضافة لصادراته، مع الانخراط الفاعل في سلاسل القيمة الإقليمية والدولية، بما يجعله أقل عرضة للقرارات الأحادية ويمنحه هامش استقلالية أكبر في اتخاذ قراراته التجارية والاقتصادية.
وبهذا، لا يُنظر إلى فرض الرسوم الأمريكية كضربة قاصمة، بقدر ما يُفهم كإشارة قوية على ضرورة تسريع الانتقال من منطق "الشراكة التفضيلية" إلى منطق "الشراكة الاستراتيجية متعددة المحاور"، بما ينسجم مع طموحات المملكة في أن تصبح منصة إفريقية ودولية للتصنيع والتصدير.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :